تدنيس المصحف تهديد للامن القومي الكندي بقلم: الامام حسن غية، مهندس و محامي متقاعد

في عطلة عيد الفصح في بداية شهر نيسان ابريل من هذا العام ٢٠١٨ وقع امر مشين في غاية الأهمية لا بد من الوقوف عنده لشجبه و التنديد به و التحذير من عواقبه.
لقد ذهب ثمانية تلاميذ ضباط من الكلية الحربية الملكية في مدينة السان جان في مقاطعة كيبيك لقضاء عطلة الفصح في شاليه. طبعا ككل من يذهب لقضاء عطلة في شاليه أخذ هؤلاء التلاميذ الضباط معهم ما يحتاجونه من المتاع في عطلتهم من ملابس و معجون أسنان و فرشاة أسنان و عدة حلاقة و ما شاكل ذلك من المتاع. و لكن لم يتوقف الامر عند هذا وإنما اخذوا معهم مصحفًا. طبعا لم ياخذوا معهم المصحف للصلاة او لتلاوة القرآن، ولكنهم اخذوا المصحف ليدنسوه و العياذ بالله. لقد قام ثلاثة من هؤلاء التلاميذ الضباط بتنجيس المصحف و تصوير فعلتهم الشنيعة على الفيديو. عندما عادوا الى الكلية الحربية الملكية بدأوا بعرض شريط الفيديو الذي يصور ما قاموا به من سفالة على زملائهم في الكلية متصورين و العياذ بالله انهم قاموا بعمل بطولي. لكن بعض التلاميذ الضباط العقلاء، و الدنيا لا تخلوا من العقلاء، ادركوا ان الامر جلل و انه لا يليق بضباط في الجيش الكندي الذي يبني عقيدته العسكرية على التعددية و الانفتاح و احترام الآخر. هنا قام هؤلاء العقلاء بتبليغ قيادة الكلية الحربية. لم تتوان القيادة في الكلية الحربية عن التحرك لمعاقبة الجناة و تدارك الموقف.
١– لقد فتحت القيادة تحقيقا في الموضوع و حولت التلاميذ الضباط الثمانية الى المحكمة العسكرية. بعد التحقيق تبين ان الجناة ثلاثة طالبت المحكمة بطردهم من القوات المسلحة الكندية مع التنويه بأنهم طردوا لقيامهم بعمل مخز و مشين. يترتب على التنويه بقيامهم بعمل مخز و مشين استحالة إمكانية عودتهم لصفوف القوات المسلحة الكندية في المستقبل. واحد من هؤلاء الثلاثة رضخ للامر الواقع و قبل الحكم عليه بالطرد و انتهت قضيته. ولكن الاثنان الآخران استأنفا الحكم و لا تزال القضية امام المحكمة العسكرية. قيادة القوات المسلحة مصرة على موقفها بضرورة تنفيذ قرار الطرد مع التنويه بالخزي و العار. و لكن كما يعرف الجميع كندا دولة قانون و لا بد للمحكمة، حتى و ان كانت عسكرية، ان تدرس طلب الاستئناف قبل إصدار الحكم النهائي.
٢– تبين في التحقيق ان الخمسة الآخرين من التلاميذ الضباط الذين كانوا في الشاليه لم يشاركوا في العمل المشين و لكنهم كانوا مجرد متفرجين. لذلك وجه لهم اللوم و فرضت عليهم عقوبة لأنهم لم يحاولوا ردع الجناة او التبليغ عنهم. هؤلاء الخمسة فرضت عليهم عقوبات و لكنهم لم يطردوا من الجيش.
٣– لقد اتصلت قيادة القوات المسلحة الكندية بكاتب هذه السطور فور علمها بوقوع هذا العمل المشين. لقد كان لاتصال قيادة القوات المسلحة بي هدفان: الاول ابداء الأسف و تقديم الاعتذار لما حصل و الثاني التشاور في كيفية التعامل مع الموضوع. لمن يهمه موضوع التفاصيل، لقد اتصل بي الجنرال غي شابدلان و هو القسيس الأعلى في القوات المسلحة الكندية. طلب مني موعدا لزيارتي في السان ريمي. عندما طلبت منه الهدف من الزيارة اصر على ان الموضوع حساس و يفضّل ان يتحدث معي وجها لوجه و هذا ما حصل عند زيارته لي. لقد اخبرني بتفاصيل ما حدث مع ابداء الأسف الشديد و الاعتذار. لقد أكد الجنرال في هذا اللقاء على ان ما حصل يعتبر خروجا عن كل القيم الكندية و العقيدة العسكرية للقوات المسلحة الكندية. و اخبرني ان هذه العقيدة مبنية على التعددية و الانفتاح و احترام كل مكونات المجتمع الكندي. كما انه اخبرني ان القوات المسلحة تريد ان تعكس في تكوينها النسيج الوطني الكندي بتجنيد العديد من الكنديين المسلمين، كما انها تريد تجنيد أئمة لتأطير العسكريين المسلمين في القوات المسلحة الكندية. لكل هذه الأسباب فان الجنرال، و معه الآخرون في قيادة القوات المسلحة الكندية يَرَوْن ان العمل المشين الذي وقع في الشاليه يتعارض كليا مع توجهات القيادة العسكرية.
٤– بعد فترة من اجتماعي مع الجنرال شابدلان حصل اجتماع بيني و بين الجنرال لامار المسؤول عن الموارد البشرية في القوات المسلحة و مدير الكلية الحربية الملكية الكندية و هو برتبة عقيد. بما انهم اثنان و انا واحد عرضت عليهما الاجتماع في الكلية الحربية في السان جان بعد صلاة الجمعة لأنني أصلي في السان جان، و هذا ما حصل.
٥– في هذا الاجتماع أكد لي الجنرال و العقيد ما أكده لي الجنرال شابدلان من قبل في الاجتماع الذي عقد في دائرتي من الأسف و الاعتذار و التأكيد على ان ما حصل في الشاليه يتعارض كليا مع القيم الكندية و العقيدة العسكرية للقوات المسلحة الكندية.
٦– تم التشاور في هذا اللقاء ان كان من الأفضل الإعلان عما حصل أم ترك الموضوع طَي الكتمان. الأشخاص الذين كانوا على علم بالموضوع حتى تلك اللحظة، طبعا بالاضافة الى التلاميذ الضباط، الضباط الثلاثة الذين اجتمعت معهم، طاقم التحقيق و المحكمة، رئيس أركان القوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني و كاتب هذه السطور. لقد كان رأيي، و هو الرأي الذي أخذ به، هو ان يبقى الموضوع، ما دمنا قادرين على ذلك، طَي الكتمان لسببين. السبب الاول هو اننا لا نريد ان يظهر هؤلاء الجناة مظهر الأبطال امام بعض من في نفوسهم مرض من اصحاب الرؤوس المشتعلة مع ما في ذلك من خطر الاقتداء بهم و محاولة الحذو حذوهم و هذا بلا شك قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه. السبب الثاني هو انني لم أرد ان يشعر المسلمون بالاحباط و التهميش في الوقت الذي نحاول فيه جاهدين ان نشجع المسلمين على أخذ المكان الذي يليق بهم كمواطنين كأي مواطن آخر في هذا البلد، لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات.
٧– يوم الأربعاء ٢٣ آيار–مايو اتصلت بي القيادة و أخبرتني ان صحفيا في احدى وسائل الاعلام الناطقة بالانكليزيّة اتصل بهم ليتحدث معهم حول ما حصل في الشاليه. وقتها أخبرتهم انه لم يعد هنالك مجال للحفاظ على الموضوع طَي الكتمان و لكن يجب ان يخرج الخبر في نفس الوقت في وسائل الاعلام الناطقة بالانكليزيّة و الفرنسية في نفس الوقت حتى لا يستعمل المسلمون و مقدساتهم وسيلة للمهاترات و المزايدات في المنافسة الدائرة بين الإنكليز و الفرنسيين في هذا البلد. قررنا في هذا الحوار الهاتفي ان يعقد مؤتمر صحفي ظهر يوم الجمعة ٢٥ أيار–مايو و ذلك ليتسنى للقيادة تحضير الملف للإعلام. و أوكل لي الاهتمام بايجاد صحفي في وسائل الاعلام الفرنسية من الذين اثق بهم و الذين يستطيعون كتمان الموضوع حتى الإعلان عنه بطريقة منظمة. و هذا ما حصل. و بما انه قرر وقت انعقاد المؤتر الصحفي ظهر الجمعة في الوقت الذي سأكون فيه على المنبر، فقد سجلت مداخلتي في ستوديو راديو كندا مساء الخميس على ان تذاع في نفس الوقت مع مداخلة الجنرال لامار عندما أكون انا على المنبر.
٨– اتصلت ببعض القيمين على العمل الاسلامي مساء الخميس لاعلامهم بالموضوع قبل إعلانه في المؤتمر الصحفي و أعلمت المصلين في خطبة الجمعة في السان جان بما يجري و انهم سيسمعون الخبر عند خروجهم من المسجد و هذا ما حصل فعلا. بعد انتهائي من صلاة الجمعة تتالت الاتصالات من وسائل الاعلام الكندية الفرنسية و الانكليزية و كانت حصيلتها ما يزيد على عشر مقابلات مع الصحف و الراديو و التلفزيون.
٩– ان حصول هذا العمل المشين من تدنيس للمصحف الذي هو مقدس عند المسلمين في موسم يعتبر موسما مقدسا عند المسيحيين يدل على مدى الانحطاط ألذي وصلت اليه بعض النفوس المريضة في المجتمع من احتقار لكل المقدسات من مسيحية أو إسلامية او غيرها.
١٠– الذي اكدته لقيادة القوات المسلحة الكندية و للصحفيين ان القرآن بالنسبة لنا نحن معشر المسلمين هو كلام الله المنزل على رسوله الذي هو خاتم الأنبياء و الرسل. الديانات الاخرى تعتبر كتبها كلاما كتبه بشر بوحي من الله. فالتوراة و التلمود حسب المصادر اليهودية كتبتا سنين عديدة بعد وفاة موسى عليه السلام. و أناجيل العهد الجديد حسب المصادر المسيحية كتبت سنين عديدة بعد صعود السيد المسيح عليه السلام. اما بالنسبة لنا نحن المسلمين فان القرأن هو كلام الله، و بالتالي ليس هنالك اعتداء على مقدسات المسلمين أشد وقعا و بشاعة و عدوانا من تدنيس المصحف.
١١– مما اكدته لقيادة القوات المسلحة الكندية و للإعلام ان تدنيس المصحف من قبل بعض التلاميذ الضباط لا يشكل فقط اعتداء على مقدسات المسلمين و انما يشكل اعتداء على القيم الكندية نفسها و يشكل تهديدا للامن القومي الكندي. العسكري الذي يشعر ان زميله او قائده عنصري ، ان هذا العسكري لا يستطيع ان يثق بقائده او زميله العنصري و غياب الثقة يدمر معنويات اَي جيش. كيف بإمكان اَي جيش ان يؤدي واجبه الوطني اذا انعدمت روح الثقة بين افراده. من هنا نرى فإننا نرى ان تدنيس المصحف يهدد الأمن القومي الكندي.
١٢– مما اكدته ايضا للقيادة و للإعلام انه يجب على الجيش الكندي ان يكون مؤسسة تحترم جميع ابنائها و تدافع عن جميع ابناء كندا كائنة ما كانت اصولهم العرقية او انتماؤهم الديني. وهذا ما اكدته القيادة ايضا و اكدت ايضا حرصها على تجنيد أعداد اكثر من المسلمين حتى يعكس الجيش فعلا النسيج الوطني الكندي بتعدديته و انفتاحه.
١٣– لقد تم الاتفاق مع قيادة القوات المسلحة الكندية على دعوة أئمة لالقاء محاضرات لتعريف العسكريين من ضباط و رتباء و جنود بالإسلام و قيم الاسلام و ذلك لهدم جدار الجهل الذي يؤدي في كثير من الأحيان لكره الآخر و الخوف منه.
١٤– ان هنالك جانبا إيجابيا لما حصل رغم سفالته و بشاعته. لقد انكشف امر هذه الحفنة من الجناة في الوقت المناسب. لو لم يقوموا بعملهم الشنيع هذا لما انكشفوا و لاستمروا في خدمتهم في صفوف الجيش و تخرجوا ضباطا و ربما أصبحوا من كبار القادة و هم على ما عليه من العنصرية و كراهية الاسلام. الحمد لله ان امرهم انكشف قبل ان يستفحل لتتم معاقبتهم و ليكونوا عبرة لغيرهم. و نطالب قيادة الجيش على العمل للتأكد انه ليس هنالك عناصر اخرى من اصحاب الأفكار الهدامة التى تهدد سلامة الجيش و المجتمع.
١٥– و اخيراً اشكر قيادة القوات المسلحة الكندية على حكمتها و حزمها في التعامل مع جريمة تدنيس المصحف.
لقد كان تعاون هذه القيادة معنا كاملا . و لقد اتخدت بسرعة وحزم القرار الذي يفرض نفسه بمعاقبة مقترفي هذا العمل المخزي.
ان تدنيس المصحف من قبل بعض التلاميذ الضباط لا يشكل فقط اعتداء على مقدسات المسلمين و انما يشكل اعتداء على القيم الكندية نفسها و يشكل تهديدا للامن القومي الكندي.
يجب ان يكون الجيش الكندي مؤسسة تحترم جميع ابنائها و تدافع عن جميع ابناء كندا كائنة ما كانت اصولهم العرقية او انتماؤهم الديني.
نتطلع الى مزيد من التعاون البناء لمحاربة العنصرية و بناء المجتمع الآمن الذي ينعم فيه كل ابنائه بالامن و الامان.

Alfred Baroud517 Posts
President / editor in chief YALLA yalla magazine yalla web radio
0 Comments